أقسام المدونة

الأحد، 21 أبريل 2013

قاسم امين . ماذا كان يريد

الاصل ان المرأة حرة . هكذا تعلمنا فى الاسلام و تربينا في عصر يصرخ كل متحدثوه بحرية المرأة، وينادون بها وكأنها الحل السحري الذي سيخرجنا من كل مشكلاتنا؛ السياسة تستضيف المرأة وتدخلها مجلس الشعب، ووزارة الثقافة تعيد طباعة أعمال محمد عبده وقاسم أمين وغيرهم ممن كان لهم باع في هذا الأمر، وإن كنت أتمنى أن يقرأ الناس أو السيدات تلك الأعمال ليعرفوا الحرية الحقة التي نادى بها هؤلاء، وشُوّهت عبر السنوات لتصل لنا بهذا الشكل..

أما الإعلام فهو يقدم وباستمرار وتكثيف، فكرة المرأة العاملة والمستقلة، أو التي تحارب من أجل نيل الاثنين، وهو هدف شكله نبيل؛ لكن تفاصيله تحتمل معان أخرى..

وما يدعو للتناقض هاهنا هو القائمون على الإعلام، الفئة المثقفة المقتنعة بجدوى وضرورة وجود المرأة، ككائن حي وفعال في مجتمع يريد التقدم، يريد أن يعمل كافة أفراده لا بعضهم فقط، دون النظر للبعض الآخر، لأسباب تبدو غريبة وغير منطقية؛ ولكن تم توارثها باستمرار عبر الأجيال جعلها بحكم العادة أقرب إلى الحقيقة..

تلك الفئة تقدم المرأة العاملة بشكل سيء، بداية من السينما، والمسلسلات حتى مسلسلات السيت كوم، تقدمها متحررة بشكل لا يمت للأخلاق بصلة، تقع في الخطأ بكل سهولة بدعوى الوحدة وعدم تفهم من حولها لها، تبرر تلك الأخطاء الإنسانية بشكل مؤثر لتتعاطف معها ولا تدينها. أو تقدمها فتاة تافهة لا تفكر سوى في أن ترتبط بشاب -الارتباط حسب التعريف العلمي الحديث لم يذكر أيا من الخطوبة أو الزواج. لمَ إذن يريد من يشاهد أن يجعل نفسه مدافعا عنها؟؟

ولمَ لا يصدق الناس الدعاوى التي تحاوطهم من كل جانب، بأن تلك المرأة هي شر الله على أرضه وفتنته، التي لن يقوى عليها بنو آدم، وسيجرهم في طريق الرذيلة؟؟ فيجب إخفاؤها داخل البيوت ووراء الجدران..
كيف يجتمع هذا التناقض الرهيب في الداعين لرفع مكانة المرأة، ليجعلوها تظهر بمظهر المنحل الذي أعطي الحرية فأساء استخدامها، ليترسب لديك داخليا، صورة الحرية للمرأة المساوية للانحلال الأخلاقي..

لم أر حتى الآن نموذج امرأة أو فتاة يقدمونها، تعرف معنى الحرية المسئولة الصحيحة، تريد أن تدرس وتعمل وتتزوج بشكل طبيعي، لا ترتدي ما خف وشف، وتصادق الرجال وترافقهم، بدعوى الحرية، لم أر أيا منهم متوسطة الميول؛ فلا هي منحلة ولا هي متدينة متزمة، كل ما تراه حراما؛ ألهذا الحد فقدنا الوسطية وصارت نماذجنا كلها بهذا الشطط...

أين فتياتنا الجامعيات الأوائل في كل عام، والمدرسات الأفاضل، والموظفات المتفانيات، والسيدات البسيطات بأعمالهن الصغيرة، وأمهاتنا اللائي قدمن مثالا في الالتزام والمسؤولية؟

أين هؤلاء النماذج الإعلامية الشهيرة للنساء، اللائي يتحدثن من منطلق أنهن رمز النجاح والطموح؟ لماذا لا نرحب إلا بنموذج مثل إيناس الدغيدي، والتي مازالت تصر -وبشكل سافر- أنها حرة فيما تفعل؟ أينعم إنتي حرة؛ لكن الإعلام الذي يصل لكل بيت يستحق أن يقدم من يستحقون..

ولماذا قد ترى أي فتاة في بعض الداعيات الإسلاميات -المثيرات للسخرية أحياناً- رمزاً قد تقتدي به، أين الأمثلة التي نستطيع أن نحاكيها ويعج بها المجتمع؛ ولكن لا نرى على شاشة التلفزيون سوى الأمثلة الغريبة!!!

كيف أدعو لحرية المرأة كداع وواجب لاكتمال القوى العاملة بالمجتمع، ولاتزال العالمة تظهر بصورة السيدة العانس ذات نظارة النظر الكبيرة، وتظهر المثقفة تتحدث بشعرها المطلق على المشاهدين، بالميني جيب والصدر المفتوح، وتظهر المتدينة لتدعو النساء للجلوس في المنزل وأن النزول للسوق لابتياع الخضار حرام؟؟

أين المثل الأعلى إذن الذي يقدم للفتيات، وكيف بنا نتغاضى عن هذا العدد الهائل للفتيات لنجعله عرضة للتخبط، والاعتراف بأن الطموح والنجاح قد يصل بهن لتلك الصورة الذهنية الغريبة التي نصر على تقديمها على الدوام، تلك الصورة التي لا تحترم المرأة، بل تدعو لاحتقارها أكثر من حريتها، تشوهها وتجعل منها إنساناً مسلوب الإرادة يسير وفق أهواء الظروف لا وفق التربية والعقل والمنطق...

لقد ظلم كثيرا قاسم أمين بدعوته الجميلة، التي لم يتبقَ منها الآن في أذهان الناس سوى اقتران اسمه بها، وما يرونه من صورة مشوهة، والرجل لو كان حيا لتبرأ من كل تلك الأمثلة؛ فما دعا له كان أرقى من هذا بكثير، ما دعا له مجتمع متكامل يعمل كل أفراده ليصل إلى القمة، مجتمع يحترم كل حقوق أفراده، يعطيهم الحرية المسؤولة التي سيجدون فيها غايتهم لتحقيق أحلامهم وآمالهم دون قيود، مجتمع يعرف كيف يتعامل مع الحرية ويعي معناها الحقيقي.