أقسام المدونة

الأحد، 21 أبريل 2013

عبادة الشيطان فى قلب الوطن العربى - اليزيدية خطر داهم

الله هو الواحد الاحد الذى لا اله غيرة قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم {ألم أعهَد إليكم يا بني آدم أن لا تَعبدوا الشيطان إنه لكم عدوٌ مُبِين، وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيم} صدق الله العظيم [سورة يـس: 60-61].

هكذا قال الله تعالى.. قالها -عز وجل- صريحة قوية, أن الشيطان لنا "عدوٌ مُبِين" -أي ظاهر العداوة.. ولكن البعض تعمدوا مخالفة ذلك الأمر الإلهي القوي, وحولوا "العدو المُبين" إلى إله تُقام له الصلوات ويُسَبَّح باسمه آناء الليل وأطراف النهار.. انشقوا عن كل الديانات السماوية، وقدّسوا الشيطان فأهدروا قرونًا من الصراع بيننا معشر أبناء آدم وبين إبليس ونسله؛ باعتبارهم إياه الإله والمعبود والرفيق الحميم.. فهل من فساد في الأرض أكثر سفهًا من ذلك؟ عن "اليزيدية" نتحدث...

في قلب الشرق العربي الإسلامي, تحديدًا في فارس والعراق ظهروا.. وعاشوا, ومازالوا -للأسف- يعيشون.. هم الذين أقاموا الشيطان معبودًا وقدموا له الصلوات.. وانشقوا عن صف المسلمين.. مؤسسين واحدة من أخطر العقائد السرية المنبثقة عن حركة "الزندقة", وهي الحركة السياسية الدينية التي دبرتها بعض العناصر الفارسية التي لم تتقبل فكرة الاندماج في النسيج العربي الإسلامي؛ فتظاهرت باعتناق الإسلام لتضربه من الداخل من خلال إقحام محتويات الديانات الفارسية القديمة عليه من جهة, وتدبير المؤامرات الداخلية لإثارة الحروب الأهلية والانشقاقات من جهة أخرى. وتلك الديانة السرية -اليزيدية- كانت الأكثر إثارة للمؤرخين. فرغم أنها لم تكن الأخطر؛ إلا أنها كانت الأكثر سرية، وكان أتباعها وقادتها الأكثر براعة في التكتم على أمرهم؛ مما يجعلنا نتخيل مدى الضرر الذي كان من الممكن أن يُحدِثوه للدولة الإسلامية لو لم ينكشف أمرهم تحت النور! صحيح أنه لم يتم كشف أية مخططات لهم ضد الدول التي تواجدوا بها؛ ولكن توقيت انكشاف أمرهم وتعاظمه, وتكرر ذلك عبر العهود المختلفة, كان يتزامن مع فترات حرجة بشكل يوحي بتعمدهم إثارة القلاقل والتوترات السياسية والطائفية.

الشيطان.. في الديانات القديمة:-
عبادة القوة الرامزة للشر -أيًا كانت- هي عبادة شديدة القِدَم؛ فالفراعنة عَدّوا "سِت" إلهًا للشر بين آلهتهم الكثيرة, والآشوريون عبدوا "آشور" إله الحرب, والهنود صلوا لـ"كالي" آلهة الموت والدمار... كل تلك الآلهة كانت رموزًا للكيانات الشريرة الضارة لتلك الحضارات؛ ولكنها لم تُمَثِل لعابديها المُثُل العليا ولا الرموز الطيبة؛ بل عُبِدَت اتقاءً لشرها, وحين سما الفكر الإنساني, وازداد إدراك المبادئ الراقية مال الإنسان -في رحلة بحثه عن الله- لقَصر التقديس على الرموز الطيبة النافعة فحسب؛ بينما أصبحت رموز الشر والأذى أهدافًا للعناته. تلك الخطوة الراقية توّجتها الرسالات السماوية الثلاث بالتفرقة بين الله تعالى كخالق أعلى هو مصدر كل الصفات الطيبة, والشيطان كمخلوق مارق يسعى لإيذاء الإنسان من خلال إفساد علاقته بخالقه عز وجَل.

ولكن ظهر في الشرق القديم -في ما قبل البعثة المحمدية- تيار فكري ديني يقول بالمساواة بين قوى الخير وقوى الشر؛ بحيث تحول الشر من أمر عارض استثنائي -مصيره الزوال مهما طال عهده- على قاعدة سيادة الخير للعالم, إلى أمر واقع متساوٍ من حيث الوجود والسيادة مع الخير. فقَسَّم أتباع هذا الفكر الكون إلى عالمين -عالم النور وعالم الظلام- وقالا بتساويهما في المساحة المكانية والزمنية. تلك الفكرة ربما تبدو للوهلة الأولى حقيقة؛ ولكنها ليست كذلك؛ فالواقع يقول: إن الله هو الخير وهو الأقوى بحكم كونه عز وجل هو الخالق؛ بينما الشيطان هو الشر وهو الأضعف مهما بلغت قوته لأنه لا يتساوى مع الله. بينما قال هؤلاء ببساطة بالمناداة بالإيمان بتساوي الشيطان مع الإله في القوة، وتحويل الشيطان من مخلوق متمرد على سيده إلى سيد يعادل الخالق في القوة وحرية الإرادة.

هكذا جاء في بعض الديانات الفارسية القديمة, كالزرادشتية (المجوسية) التي قسمت العالم بين إلهين "أهورامزدا" إله عالم النور و"أهريمن" إله عالم الظلام, وجعلت الحياة عبارة عن صراع أبدي بينهما, وجاء المفكر الفارسي "ماني" بديانته "المانوية" المنسوبة إليه, ليؤكد تلك الفكرة التي وجدت طريقها عبر الحدود والتقاء الحضارات إلى مختلف بقاع الأرض, وعصورها!

البداية
هي فرقة دينية مصنفة من قِبَل جمهور المسلمين كفرقة غير مسلمة -كالبهائيين والدروز- ولا يوجد رأي ثابت في نشأتها, وهذا لشدة غموض تاريخها وتناقض رواياته، ولشدة التزام أتباعها بالتكتم والسرية حول كل ما يخص عقيدتهم. ولكن المتفق عليه أنها وُجِدَت في الشكل المعروف للمؤرخين فيما بعد القرن السادس الهجري, مع انتشار تيارات التصوف في الشرق العربي.

القصة الأقدم في ما أمكن معرفته من تاريخ اليزيدية تبدأ برجل صالح عابد وزاهد اسمه "الشيخ عدي بن مسافر", انتقل من مدينة بعلبك اللبنانية إلى العراق؛ حيث تتلمذ على يد العالم الكبير "الإمام أبو حامد الغزالي" وتعرف على القطب الصوفي "عبد القادر الجيلاني"، وتأثر بهما, ثم سافر إلى منطقة "لالش" في جبال العراق -تحديدًا المنطقة الكردية- حيث تنسك على قمة أحد الجبال، واعتزل العالم وعاش زاهدًا متعبدًا؛ حتى مات, وبقي أبناؤه وأحفاده يرثون عنه القيادة الروحية للمنطقة التي سكنها, واحدًا تلو الآخر.

زهد الشيخ عدي جعل الناس يتعلقون به, ولكن للأسف دارت الأيام وشاب ذلك التعلق مبالغات في وصف كرامات الشيخ تطورت إلى حَد مخالفة الشرع, وشجّع ذلك أحد خلفائه ليعبث بالدين, ويعيد من جديد بعث الديانات الفارسية القديمة سالفة الذكر, وينشر تقديس كل من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (ومن هنا جاء اسمهم)، وكذلك تقديس الشيخ عدي باعتباره المبعوث المقدس الذي قام بإحياء الدين من جديد, أما الطامة الكبرى فكانت في إيمانهم بأن من أرسله هو عزازيل, الذي نعرفه باسم إبليس، ويعرفونه باسم "طاووس مَلَك" !نعم, كانوا يقدسون إبليس, ويؤمنون أن الله تعالى خلق الكون وَكَّل إدارته وتسييره لسبعة ملائكة على رأسهم "عزازيل/إبليس" الذي يقول اليزيديون أنه تاب عن خطيئة عدم السجود لآدم، وأن الله تعالى قبل توبته؛ حيث كان عذر الشيطان أن الله تعالى حين خلقه جعل فطرته عدم السجود لمخلوق؛ فعفا عنه ونصّبه كبيرًا للملائكة.

ورفضوا القول بأنه شيطان حتى حرّموا مجرد نطق الكلمة على أتباع دينهم، وقالوا إنه الملاك الأعظم الذي خلق نفسه بنفسه. صحيح أنهم لم يساووه بالله تعالى؛ لكن مجرد قولهم باستعانة الله بمخلوق في الخلق وتقدير المصائر هو شرك بيّن! أما عن اتخاذهم يزيد بن معاوية إمامًا؛ فهو أمر غير معروف سببه, وإن كان البعض يرجح أن ذلك كان بمثابة تحدٍ للسيادة العباسية والفكر العام للمسلمين الذين يكنون المشاعر السيئة ليزيد لدوره في مقتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- فقال اليزيديون: إن من لم يقل بإمامة يزيد فدمه وماله حلال, ووصفوا يزيد بأنه التجسيد البشري لعزازيل, أو "طاووس ملك" الذي نسبوا له تنزيل كتابهم المقدس "مصحف رش" الذي يمتلئ بالتمجيد للشيطان والوعيد لمن يرفضون ذلك بالويل والثبور!

أصول من الديانات القديمة:
 المدقق في "اليزيدية" يلاحظ مدى التطابق بينها وبين الديانات الفارسية القديمة -تحديدًا الزرادشتية- من حيث المعتقدات ومساواة الشيطان بالله في حقوقه على العباد؛ فقد آمن اليزيديون بتناسخ الأرواح وانتقال الروح من الجسد بعد الموت إلى جسد آخر للتكفير عن الذنب في الحياة السابقة. كما آمنوا بانقسام العالم إلى عالمي الظلام والنور, واعتقدوا في نظرية "الحلول" وهي حلول روح الله أو الملائكة في بعض الناس. وقدّسوا العناصر الكونية الأربعة -الهواء والماء والنار والتراب- تمامًا كما كان الزرادشتيون -وأتباع الديانات الآسيوية القديمة غالبًا-يفعلون.

عقيدة سرية
تلك الملاحظة تقودنا لسؤال هام: كيف وجدت تلك العقائد المندثرة منذ قرون سابقة لظهور تلك الديانة طريقها لمن صاغوا وصنعوا هذا الدين الجديد, ومن آمنوا به؟

الإجابة الوحيدة المنطقية: هي أن تاريخ نشأة تلك العقيدة يسبق تاريخ ظهورها بكثير؛ إذ إنها ظهرت علانية في فترة حرجة من تاريخ المسلمين, تهددت خلالها الحضارة الإسلامية بهجمات المغول والصليبيين؛ بينما بقيت خفية طوال تلك السنوات؛ حيث كان مجرد إعلان أتباعها عن أنفسهم يهددهم بالإبادة التامة من قِبَل الخلفاء العباسيين والقادة والولاة الغيورين على المقدسات من العبث؛ ولكن قادة تلك الديانة ينكرون حداثة أمرها, وينشرون الأكاذيب حول كونها ديانة أقدم من الديانات السماوية كلها، ويدّعون أن أتباعها تظاهروا باعتناق الإسلام خوفًا من الإبادة, واستثقالاً للجزية. وهي كذبة مكشوفة؛ فأولاً لم يكن المسلمون يعتدون على من يرفض اعتناق الإسلام, واتسع نطاق أهل الذمة ليشمل أديانًا غير سماوية كالصابئة والمجوس وبعض ديانات البربر. وثانيًا لم تكن الجزية أبدًا بالمبلغ الذي يُعجَز عن دفعه؛ فضلاً عن أن الفقير كان يُعفَى منها.

ثم إن ما في ديانتهم من تأثرات بالإسلام يوحي بحداثة عهدهم عنه؛ فقد اتخذوا بئرًا مقدسة في إحدى مناطق تواجدهم وسموها "زمزم" كتلك التي في مكة, وسموا أحد كتبهم "المصحف", وكانت لهم صلوات وطقوس تعبدية شبيهة بتلك الإسلامية؛ فضلاً عن قيامهم بختان أطفالهم ودفن موتاهم بالطريقة الإسلامية.. لهذه الأسباب وأكثر, يتفق معظم المؤرخين على أن فكرة قِدَم عهد اليزيدية بالشكل الذي يدعيه أتباعها عبارة عن أكذوبة. وأكثر التواريخ قِدمًا تقول بظهور عقيدتهم فيما بعد سقوط الدولة الأموية مباشرة. والمثير أنهم برعوا في تطبيق مبدأ "التقية" الذي يتبعه الكثيرون من أبناء العقائد السرية أو ذات الطقوس الخاصة, وهو مبدأ يقول بادعاء اعتناق الإسلام علنًا مع الحفاظ سرًا على العقيدة الأصلية.

أوقات حرجة:-
ولتكتمل نظرية المؤامرة؛ فإن من المُلاحَظ أنهم كانوا يتعمدون إظهار أمرهم خلال أشد الفترات حساسية في التاريخ العربي؛ فالظهور الأول لهم كان في مرحلة كان فيها العرب والمسلمون ممزقون وسط صراع العباسيين من بغداد مع الفاطميين من القاهرة, وكانت الجيوش الصليبية تطرق أبواب العالم الإسلامي بعنف. ثم أعادوا البروز في الساحة تزامنًا مع الاجتياح المغولي. وكان بروزهم للمرة الثالثة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر, خلال عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. كان السلطان -آنذاك- يحكم معظم العالم العربي الإسلامي الذي كانت تتهدده الأطماع الأوروبية. وكان يكافح بكل طاقته لتأسيس تكتل إسلامي ضخم يقف أمام كل من دول أوروبا الطامعة في بلاد الشرق, وروسيا المتطلعة للوثوب على تركيا ذاتها, واليهود الصهيونيين الذين كانوا قد بدؤوا سعيهم العملي للحصول على حق تأسيس دولة في فلسطين؛ وسط كل تلك المآزق السياسية, أبرز زعماء اليزيدية مشكلتهم من خلال محاولتهم الاتصال بالغرب من خلال بعثة تبشيرية أمريكية, سعوا من خلال الاتصال بها إلى دفع الدول الغربية للضغط على السلطان لمنحهم ما زعموا أنه حقوقهم في المواطنة. وكل هذا فقط لأن السلطان ورجال حكومته كانوا يريدون أن يؤدي اليزيديون الخدمة العسكرية أسوة بسائر طوائف رعايا الدولة العثمانية. ولاشك تصرف أعضاء تلك الطائفة بهذا الشكل في ذلك التوقيت يُعَد خيانة صريحة للدولة, ويؤكد نظرية وجود شيء غير مريح في سرية كيانهم والغموض المحيط به.

الخلاصة:-
ربما يسأل البعض: "ما وجه الفساد الذي يمارسه قوم اختاروا لأنفسهم أمرًا؟"

والإجابة هي: إن الجماعات البشرية ليست جزرًا معزولة؛ فكل منها يؤثر ويتأثر بالآخر.. وإن كان الناس متنوعون في العقائد والأديان؛ إلا أن "صمام الأمان" بينهم هو اتفاق كل تلك الأديان على تمجيد الخير ونبذ الشر وعدم تدبير المؤامرات في الخفاء. أما أن تعتنق إحدى تلك الجماعات الإنسانية عقيدة تخالف الفطرة البشرية السوية الرافضة للشر, فتقدس الرمز الأول لكل الشرور والخطايا، وتعتبره الحامي والمعين وصاحب الأمر والنهي؛ فهذا يمثل أولاً تهديدًا للسلام العام بين أهل الأديان المختلفة, وثانيًا هو أمر يعني أن وجود تلك الجماعة في قلب أي مجتمع هو بمثابة قنبلة موقوتة؛ إذ إن معايير الخير والشر عندها ستكون مختلفة عن ما تتفق عليه ضمائر البشر.. وأنها -في أي وقت- قد تنقلب على مجتمعها في تلك اللحظة التي يقع فيها خلاف عملي حول مفهوم ما هو "خير" وما هو "شر"..

والدليل هو أن الدولة العربية الإسلامية لم تَسلَم عبر العصور من جماعات مماثلة ذات عقائد مختلة ارتكبت أعتى الجرائم, كجماعة القرامطة التي اعتدت على الكعبة ذاتها واقتلعت منها الحجر الأسود ولم تعده سوى بعد 20 سنة, أو كجماعة "الحشاشين" التي روعت الشرق بأسره لقرون بجرائم الاغتيال المتتالية.. كل ما في الأمر أن جماعة "اليزيدية" لم تحظَ بالقوة العددية أو التسليحية، ولا بالقيادة القادرة على أن تسبب ضررًا ماديًا.. وإن بقيت فقط علامة على أن الإنسان قد يرتد للخلف قرونًا كثيرة بفكره وعقله؛ فيقدس رمزًا للشر بعد أن كانت الحضارات الأولى قد تعلمت نبذة منذ زمن بعيد!

(يتبع)

مصادر المعلومات:-
- البداية والنهاية: ابن كثير.
- تاريخ اليزيديين: جون س. كيست.
- الفرق والجماعات الدينية: د.سعيد مراد.
- المدخل في تاريخ الأديان: د.سعيد مراد.
- اليزيدية وفلسفة الدائرة: عبد الناصر حسو.
- طاووس ملك اليزيدية: ليدي درور.
- الدولة العثمانية: د.محمد سهيل طقوش.
- موسوعة تاريخ العرب: عبدعون الروضان.
- الله: عباس محمود العقاد.