أقسام المدونة

الأحد، 21 أبريل 2013

من فضلك التدخين ممنوع


من منا لا يدرى ان التدخين ضار بالصحة فانا لم أجد ما يدفعني للكتابة في هذا الموضوع حتى فترة قريبة؛ لعلمي أنه رغم الضجة الكبيرة التي أثارها الإعلام حوله بداية بتقرير مصور أذاعته محطة تليفزيون CNN عن عملية ختان تُجرى لطفلة صغيرة في مصر، وانتهاءً بفرض قوانين عَجِلة ضد مرتكبي (جريمة) التختين من الأطباء والأهالي، وظهور جبهتين كل منها على طرف النقيض من الأخرى؛ كنت أتصور أنه رغم كل ذلك ستنتهي القضية بأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن تقدير الناس وأعرافهم واقتناعهم أقوى من كل قانون ودستور.

لكني وجدت أن الأمر -وإن انتهى على المستوى الرسمي- يزداد كل يوم بين أنصار ورافضي الختان، والعجيب أن كلا منهما لا يستند لفهم واضح أو تصور منطقي لما يدافع عنه؛ فالرافضون للختان لا يعرفون من رفضه إلا أنه تحرير للمرأة من أي قيد حتى وإن كان من أنوثتها نفسها، وأنه مناداة ديمقراطية مستعارة من الغرب.

والمؤيدون يلهبون حناجرهم بأن هذا حرام لأن هذا هو ديننا وهذه عقيدتنا وتلك سنتنا، والعجيب أن الكثير من هؤلاء لا يعرف إلى أي نص يستند؛ فمادام آباؤنا قد فعلوه فلا شك أنه دين. أنا بالطبع لا أخوض نقاشا مع القلة الذين لديهم مرجعياتهم؛ حتى وإن كانوا مخالفين لآراء أخرى، لكني أتكلم عن أولئك التُبَّع الذين لم يقرءوا ولم يبحثوا ولم يفهموا.

نريد أن نمسك بأول الخيط: وهو أن نخرج المسألة من نطاق الحرج الديني لأنها كذلك، ثم نضعها في نصابها الصحيح حتى نستطيع أن نتعامل معها.

ليس كل ما نادى به الغرب صحيحا ولا كله غثاً تافها حقيراً يدعو إلى الحرام. وجاء في الحديث: "الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها" بمعنى أنني أبحث عن حكمتي، وحيث أجدها آخذها بعد التثبت منها دون حرج في ذلك.

والنصوص الواردة في الختان كلها من الأحاديث الشريفة وأشهرها:

- "خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب"...

- "إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي ؛ فإنه أسرى للوجه ، وأحظى للزوج"...

- "الختان سنة للرجال، مكرُمة للنساء"...

- "إذا التقى الختانان وجب الغسل"...

والرأي في هذه القضية وأمام هذه الأدلة أن نفهمها جميعا ثم نضعها في موازينها؛ لتكون النتيجة أن لا تعارض بين مؤيد ومعارض إذا فهمنا الأمر كما ينبغي.

فرأي المعارضين للختان:

أن الناظر في المعجم العربي يتبين أن الدلالة المعجمية تختلف بالنسبة للختان والخفاض؛ فالأولى خاصة بالرجال والثانية بالنساء؛ وعليه لا ينطبق على المرأة لفظاً إلا حديث واحد وهو "إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه، وأحظى للزوج"... وهو يتكلم عن الكيفية الصحيحة لعملية الخفاض، وأنها يجب أن تكون بإزالة جزء بسيط من العضو (البظر) بما فيه معنى الإشمام دون إنهاك أي الإتيان عليه من قاعدته وجذره.

أما حديث "إذا التقى الختانان وجب الغسل" فهو على التغليب في الألفاظ كقولنا (القمران: ونعني بهما الشمس والقمر، والعمران: ونعني بهما أبا بكر وعمر) ومثله الختانان أي مكانا التختين فاخُتصر لفظا (الختان والخفاض) بالتثنية (الختانان).

ويبقى الحديث الأخير الذي هو "خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب".

وعند القياس في هذا الحديث على الأفعال الخمس التي هي من الفطرة نجد أنه لا يمكن القول بحال من الأحوال: إن الذي لا يقلم أظافره أو يحلق شاربه -وإن كان من السوء بمكان- آثم؛ لكن هو من مكروهات الفطرة التي تأباها النفس القويمة؛ فضلا عن أن لفظ الحديث لا يحمل أيا من ألفاظ الوجوب أو الندب؛ لكن يمكن القول أنه من الإرشاديات النبوية.

وكما يقول الدكتور محمد سليم العوا: "والحق أنه ليس في هذه المرويات دليل واحد صحيح السند يجوز أن يستفاد منه حكم شرعي في مسألة بالغة الخطورة على الحياة الإنسانية كهذه المسألة".

أما رأي الداعين إلى الختان:

فهو: مع أن أغلب الأحاديث الواردة في هذا الشأن لم تحظ بدرجة عالية من الصحة عند علماء الحديث عدا حديث أو اثنين؛ إلا أن جهل البعض بمكانة الحديث الضعيف جعلهم يتعاملون معه على أنه من الأحاديث الموضوعة أو الأقوال المكذوبة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التي لا يمكن الاستئناس أو الاستناد إليها في أي حال من الأحوال؛ في الوقت الذي أوضح فيه الأئمة الكرام وعلى رأسهم الحافظ ابن حجر العسقلاني أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال لا في الحدود والنكاح. بالإضافة إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة.

وعليه فإن أحاديث الختان لها مكانها من السنة النبوية دون إلزام ديني يجعل تاركها في حرج ديني.

وفصل الخطاب:

إن التشريع السماوي هو تشريع شامل لكل الأزمان والحالات على اختلافها إلا ما يحدده تعالى من مكان وزمان. والتشريع الإسلامي هو تشريع ختامي؛ ولذا فهو شامل كامل من ناحيتي الزمان والمكان وإلا لما كان جديرا بأن يكون سماوياً؛ وبرغم ذلك فإن بعض هذا التشريع لا يكون مطلقا بالنسبة لكل فرد؛ بل هو شامل، فيه حل ومنهج لكل ما يطرأ أو يشذ عن القواعد الكلية.

ونضرب مثالا بسيطاً بحديث: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء"، وهذا حديث صحيح دون جدال؛ لكن هل تستطيع أنت إن وقعت في كوبك الذي تحتسيه ذبابة أن تغمسها ثم تخرجها لتعاود الشرب دون أن تعاف أو تخرج ما في بطنك؟؟ أنا عن نفسي لا أستطيع، وقد لا يستطيع الكثير ذلك؛ لكن المشرع العليّ يعلم أن هناك من لا يجدون غير كوب الماء طوال يومهم أو شهرهم، ومنهم من تتقبل نفسه ذلك؛ ولذا فالتشريع ينزل بالقاعدة العامة للمجتمع دون إلزام، ثم نحدد نحن ما يناسبنا منها حسب الشخص والطبيعة والبيئة والمكان.

وكما يقول الدكتور العوا: "التوجيه الوارد في حديث أم عطية "إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي؛ فإنه أسرى للوجه، وأحظى للزوج" لا يتضمن أمرا بختان البنات؛ وإنما يتضمن تحديد كيفية هذا الختان إن وقع".

وعليه فالخفاض وارد أن تحتاجه بعض النساء في بعض الأماكن من العالم دون أخرى، أو في المجتمع الواحد من تحتاجه ومنهم من لا تحتاجه؛ بدرجات متفاوتة يحددها فقط أهل العلم والتخصص وهو طبيب أو طبيبة النساء الذي درس ذلك وتعلّم إن كان ذلك صحيا في حالتها أم غير ذلك، وإن كانت تحتاجه من الناحية الجمالية أو الوظيفية أم لا.

أما الختان للرجال فقد اتُفق على ضرورته من أهل التخصص فأصبح كذلك من جانب التطبيق، وهو ما أوضحه النبي الكريم بجعله أعلى رتبة من الخفاض في حديثه "الختان سنة للرجال، مكرُمة للنساء".

وأخيراً فلا تعارض بين المعارضين والمؤيدين في ضوء فهم واضح نقي موزون، بعد أن نضع الأمور في موازينها ونعطي كل ذي حق حقه؛ فلا نهاجم الختان لأجل أن الهجوم سنة المثقفين أو المتثاقفين من المتمسحين بالغرب وغيرهم، ولا أن نؤيد لنثأر بذلك لأجدادنا دون وعي بحقوق وواجبات ديننا وأنفسنا وذوينا.